Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 30/04/2010 العمر : 54
| موضوع: أسباب التصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية الجمعة مارس 18, 2011 3:44 pm | |
| أعتذر للقارئ العزيز عما قد يشمله هذا المقال من مصطلحات أو أفكار فنية؛ حيث إني على الرغم من امتهاني مهنة القانون التي تقوم أساسًا على الكلمة، متشابهة في ذلك مع مهنة الصحافة؛ فإنني قد اعتدت على استخدامها في مواضعها القانونية التي قد تختلف عن الأسلوب الصحفي. وقد ارتأيت- ونحن مقبولون على الاستفتاء الدستوري القادم- أن أعرض رأيي في تلك التعديلات المقترحة، واضعًا نصب عيني مقولة الإمام مالك: "كل صاحب رأي يؤخذ ويُرد عليه إلا صاحب هذا المنبر (قاصدًا الرسول صلى الله عليه وسلم)". وينبني رأيي على ثلاث ركائز أوجزها فيما يلي: أولاً: لما كان الدستور يحمل بين طياته بنود العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب؛ فيجب أن يوضع مشروعه من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، واستثناءً يمكننا قبول عمل اللجنة المكلفة بوضع مشروع التعديلات الدستورية بالنظر إلى انحصار مهمتها في اقتراح تعديل عدد محدود جدًّا من المواد لم تتجاوزها إلى غيرها. ثانيًا: الضغوط التي نعيشها كلنا يوميًّا؛ نتيجةً لغياب مظاهر الدولة من رئيس جمهورية وبرلمان ودستور تشكل وضع استثنائي، ولما كانت القاعدة الأصولية تقضي بأن الاستثناء لا يُقاس عليه ولا يتوسع فيه؛ فالأوفق أن نعمل جاهدين على التقصير من أمد الاستثناء والسعي لعودة الحياة إلى نصابها الطبيعي. ثالثًا: وجوب أن نأخذ جميعًا الوقت الكافي لمناقشة الأفكار والمبادئ التي سيحتويها الدستور الجديد، ثم إعطاء الوقت الكافي لأعضاء الجمعية التأسيسية لحسن وإحكام صياغة تلك الرؤى والمبادئ. وقد يرى البعض تعارض هذا العنصر مع سابقه، والحقيقة أن هناك ضرورةً للإسراع في إعادة مظاهر الدولة للحياة مرةً أخرى، مع ضرورة إعطاء الوقت الكافي للجمعية التأسيسية في مناقشة المبادئ والأفكار التي سيحتويها الدستور الجديد. وكما يقول ابن مسكويه "الفضيلة وسط بين رذيلتين"، والوسط في رأي القائلين بـ(نعم) على التعديلات الدستورية في وقتنا الراهن هو التعديل المؤقت المحدود للمواد الدستورية موضع الاستفتاء بشكل يمكِّن لعودة مؤسسات الدولة على نحو مُرضٍ مع السماح بآلية أخرى تستغرق مدة أطول لدستور جديد. أدعو الله أن يحقق الكثير من الطموحات والآمال. وفي معرض أسانيد من يقول بضرورة التصويت بـ(لا) على التعديلات الدستورية، أن عنصر الوقت يمكن التغلب عليه من خلال إطالة المرحلة الانتقالية لمدة تصل إلى سنتين، وتعيين مجلس رئاسي حتى يتسنَّى للجميع إعداد العدة والدخول في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية دون تمييز لفصيل سياسي على الآخر. غير أني أرى أن هذه الحجة تخلط بين التعديل الدستوري المنتظر والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فحتى على فرض تمام التعديلات الدستورية يمكن الاتفاق على تراخي الانتخابات البرلمانية (وإن كان هذا التراخي يؤدي إلى استمرار الحالة الاستثنائية التي نعيشها على ما في ذلك من مآخذ). إضافةً إلى ذلك فغير خافٍ ما ينطوي عليه ما في تعيين مجلس رئاسي "غير منتخب" من تقويض لطموحاتنا التي نادينا بها منذ 25 يناير، وهي ألا يشغل أي منصب قيادي إلا بطريق الانتخاب الحر النزيه. كذلك يجب ألا ننسى أن الجيش حاليًّا يؤدي وظائف استثنائية من انتشاره في البلاد، وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد؛ ما قد يؤثر على قدرته في القيام بوظيفته الأساسية وهي الدفاع عن الوطن وأرضه، واضعين في الاعتبار حساسية الموقف في كل دول الجوار؛ الأمر الذي يتعين معه تقصير المدة الاستثنائية التي نعيشها لا إطالتها. ومن ناحية أخرى، ينادي البعض ممن يقولون بضرورة التصويت بـ(لا) بضرورة وضع دستور جديد عن طريق جمعية تأسيسية، ثم يتم الاستفتاء على هذا الدستور مرة واحدة، وبذا تنتهي حالة عدم الاستقرار دفعة واحدة.. غير أن هذا الرأي يغفل ضرورة أن تكون الجمعية التأسيسية بالانتخاب وليس بالتعيين (إعمالاً للديمقراطية التي طالما نادينا بها).. وللأسف الشديد، ففكرة انتخاب الجمعية التأسيسية بالطريق المباشر عن طريق أفراد الشعب يصطدم بواقع مؤلم فيه أمية الشعب تصل- في أقل تقديراتها- إلى 30% من إجمالي الناخبين.. ومن ثم يكون هذا الطرح، مستبعدًا لنسبة 30% من الناخبين الذين يعجزون عن انتخاب العدد المطلوب لتشكيل الجمعية التأسيسية، ويتحول النظام إلى صورة حديثة من الحكم الأرستقراطي الذي تستبعد فيه طبقة من المجتمع.. ومن ثم، فانتخاب الجمعية التأسيسية بشكل غير مباشر؛ تفاديًا للعودة للحكم الأرستقراطي، هو ذاته ما هو مطروح حاليًّا بمقتضى التعديلات الدستورية. ويرى البعض الثالث من أصحاب ذات الاتجاه الرافض للتعديلات الدستورية المقترحة، ولعله السبب الجوهري، بأن الموافقة على الاستفتاء ستعقبه انتخابات برلمانية، يسيطر عليها الإخوان المسلمون وفلول الحزب الوطني، وهذا البرلمان هو المناط به انتخاب الجمعية التأسيسية.. وتناسى دعاة هذا الفريق أن الديمقراطية التي حلمنا بها تشمل، فيما تشمل، احترام الأقلية لرأي الأغلبية، ونزولهم عليه؛ فلا يجوز أن ننادي بالديمقراطية ثم نريد أن نحدِّد نتيجتها سلفًا، وإلا فإن ذلك يكون ردة إلى عصور الاستبداد، فالفيصل والحكم هو الصندوق الانتخابي.. كما أن دعاة هذا الرأي يتناسون أن أجهزة الدولة كلها كانت في حرب مع الإخوان حتى 24/1/2011م فأي أفضلية للإخوان على أي تنظيم سياسي آخر سيولد خلال هذه الأيام، مع الوضع في الاعتبار أن الإخوان يتساوون مع القوى الجديدة التي خرجت من رحم ثورة مصر في عدم وجود حزب سياسي لهم حتى الآن. بل أليس صحيحًا أن العمل السياسي ليس متوقفًا على تأسيس حزب؟، فالحزب ككيان قانوني مرخص به من قِبل الدولة، على الرغم من أهميته، ما هو (في أرجح التعريفات) إلا منظمة من الأفراد يمتلكون أهدافًا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية، وأتصور أن هذه العناصر قد توافرت لدى جميع القوى السياسية الجديدة منذ 11/2/2011م.. بقي فقط إضفاء الشرعية عليها بتأسيس حزب كبوتقة لتلك الأفكار والآراء خلال المدة حتى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة التي قد تكون في سبتمبر 2011م، وفق ما صرَّح به أخيرًا أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أي لمدة تقترب من سبعة أشهر. ومن باب المقارنة فقد تأسس حزب العدالة والتنمية في تركيا في 2001م في أجواء غير ثورية، ودخل في منافسة مع قوى تقليدية راسخة في المجتمع التركي، وشكَّل أول حكومة له في 2002م.. كذلك فهذا الرأي يغفل أحزابًا أصيلة وعريقة في مصر موجودة ومستمرة، وبإمكان الجميع الانضمام إليها، وهي تمثل جميع أطياف العمل السياسي من ليبرالي (الجبهة والغد)، ويميني (الوفد)، ويساري (التجمع)، وقومي (الناصري)، وما يحزنني بشدة أن معظم مرددي هذا الطرح من قوى سياسية معينة تريد إعادة اختلاق فكرة فزاعة الإخوان، وتلك القوى هي التي كثيرًا ما اتهمت الإخوان المسلمين بمعادة الديمقراطية، وحين حدث أول اختبار حقيقي نجد أن الإخوان هم الذين يدافعون عن الديمقراطية، وتلك القوى كأنها صدى لرؤية عمر سليمان بأن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية حاليًّا، وما يؤكد محاولتهم إعادة اختلاق فكرة فزاعة الإخوان ما يطالب به أصحاب هذا الرأي من التعجيل بالانتخابات الرئاسية دون البرلمانية، على خلفية بعض التصريحات الخارجة من الإخوان، باستبعاد احتمالية خوضهم للانتخابات الرئاسية في الوقت الحالي. أما عن فلول الحزب الوطني فلنتذكر جميعًا أن هذا الحزب الذي اختلط بالدولة حتى ضاعت معالم الحدود الفاصلة بينهم طيلة الثلاثين سنة الأخيرة؛ لم يستطع أن يحصل إلا على ما يقرب من 30% في انتخابات شبه النزيهة في 2000 و2005م، وإني أتساءل عن احتمالية نجاح أحمد عز أو زكريا عزمي أو محمد أبو العينين في أية انتخابات قادمة، كذلك لا تنهض كحجة عندي القول بإعادة انخراط قيادات الحزب الوطني في الحياة السياسية مرة أخرى، تحت اسم حزب جديد؛ لأنه بالإضافة إلى عنصر تحكيم الصندوق، فإن رجل الشارع أصبح كارهًا لهم، ولأن سلاح المال- الذي طالما تم الحديث عنه كعامل حسم في الانتخابات- سيقل تأثيره كثيرًا إذا ما مارس الناخبون كافةً حقهم الدستوري، وأدلوا بأصواتهم، فمن كان ينجح في الانتخابات السابقة، معتمدًا بصورة أساسية على المال لشراء الأصوات القليلة التي تذهب للإدلاء بأصواتها، لن يستطيع شراء العدد الكبير من الأصوات التي ستمارس لأول مرة حقها في الانتخابات، ويمكن كذلك النظر في توسيع الدوائر الانتخابية للحد من تأثير سلاح المال. وأخيرًا.. يستفسر البعض عن الوضع إذا طرحت الجمعية التأسيسية مشروع الدستور الجديد، وتم رفضه، ويقولون بإغفال المادتين المقترحتين 189 و189 (مكرر) لهذا الاحتمال، والحق فإن القانون يعرف نوعين من درجات الالتزام: النوع الأول وهو يتحقق ببذل المجهود والمحاولة، وهو ما يطلق عليه اصطلاحيًّا بذل عناية، والنوع الآخر تحقيق نتيجة؛ حيث لا يكون الالتزام قد وُفِّي من قبل المخاطب به حتى تتحقق النتيجة من الالتزام. وبإعمال هذه القواعد على نص المادتين المشار إليهما أعلاه؛ فأرى أن المشرع الدستوري قد ألزم مجلسي الشعب والشورى طلب إصدار دستور جديد، ثم حدَّد خطوات وضع الدستور الجديد، وجعل كل المخاطبين بأحكام المادتين 189 و189 (مكرر) ملتزمين بتحقيق نتيجة، وهي موافقة الشعب على الدستور الجديد والعمل به.. ومن ثم تكون الإجابة على هذا الاستفسار بأنه إذا ما رفض الشعب مشروع الدستور الجديد؛ فعلى رئيس الجمهورية أو مجلسي الشعب والشورى طلب وضع دستور جديد، وعلى مجلسي الشعب والشورى انتخاب الجمعية التأسيسية التي ستضع دستورًا آخر يوافق عليه الشعب. وبعد عرضي- الذي أتأسف لطوله- لآراء الداعين إلى الاعتراض على مشروع التعديلات الدستورية؛ فإني أدعو الناخبين إلى التصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية، والتي أرى أنها تحقِّق القدر الممكن من أماني الكثيرين؛ حيث يتم إنهاء الحالة الاستثنائية التي نعيشها حاليًّا في أقرب وقت، مع انتخاب الجمعية التأسيسية بالطريق غير المباشر، والاحتفاظ لها بالوقت الكافي للتأني في صياغة الدستور الجديد، والتفادي من محاولة البحث عن إجابة للسؤال الصعب، ماذا لو رفضت التعديلات الدستورية؟!.. (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: من الآية 105). | |
| |
|