كتبت محكمة النقض السطر الأخير فى مأساة عم «ماهر عبدالرازق»، هذا الموظف البسيط الذى يقطن فى محافظة الشرقية.. فقد ابنه الأكبر فى حادث غرق العبارة السلام «٩٨» فى فبراير ٢٠٠٦، وارتضى بقضاء الله، وقرر صرف التعويض المستحق له عن ابنه فى أعمال الخير، أنشأ مسجداً وداراً للأيتام ورصف طريقاً.. واستمر فى عمله البسيط فى سنترال مدينته، ٤ من جيرانه خطفوا ابنه الصغير، طمعاً فى فدية قدرها ٢٠٠ ألف جنيه من أموال التعويضات.. عجز الأب عن دفعها بعد إنفاق التعويضات فى الخير.. قتلوا الابن وحرقوا قلب أبيه مرة ثانية.. أمس الأول، كانت نهاية المأساة. قضت محكمة النقض بتأييد حكم الإعدام شنقاً الصادر بحق المتهمين الأربعة.
تفاصيل المأساة بدأت منذ فبراير ٢٠٠٦، عندما وقع حادث غرق العبارة «السلام ٩٨»، وعلم الأب بأن ابنه الأكبر من بين الضحايا. صرف أموال التعويضات وقرر إنفاقها فى الخير. طمع ٤ من جيرانه فى تلك الأموال. خطفوا الابن الأصغر وطلبوا فدية. قتلوه وألقوا بجثته فى الترعة. ألقى القبض على المتهمين وأحيلوا إلى الجنايات. ظل الأب يحضر جلسات محاكمة المتهمين داخل القاعة طوال ٦ أشهر، يراقب كل ما يدور فى الجلسة.. ينظر إلى المتهمين داخل قفص الاتهام، يسألهم دون أن تخرج منه كلمة واحدة، «لماذا حرقتم قلبى للمرة الثانية، أقسمت لكم بأن الأموال صرفتها عليكم..
رصفت لأهالى البلد الذى تعيشون فيه طريقاً.. وأنشأت لكم داراً للأيتام، وأقمت مستشفى ربما يعالج فيه الآن أقاربكم أو أفراد أسركم، لماذا تطعنوننى رغم أنكم تعرفون أن القلب لم يكن قد انطفأت النيران فيه حزناً على الابن الأكبر»؟.. يقول الأب تلك الكلمات.. وتجد دموعه تنزل بحوراً داخل الجلسة، يبكى كل من جاءوا معه من أهل القرية.. يحتضنونه ويخففون من حزنه، لا يجد غير جملة واحدة «حسبى الله ونعم الوكيل.. سأترك القضاء يأخذ لى حقى».
وقف الأب على قدميه يوم جلسة الحكم أثناء خروج المحكمة للنطق به، وبمجرد أن سمع كلمة الإعدام شنقا هلل وقفز لأعلى، احتضن ابنته التى أصبحت وحيدة، الحمد لله.. الحمد لله.. اليوم أستطيع أن أنام بعد أن أخذ القضاء حق ابنى، الذى راح ضحية طمع متهمين لا قلب لهم». وحزن الأب بعد أيام بعد أن علم من الصحف أنه لاتزال هناك فرصة أمام المتهمين للطعن على الحكم أمام النقض، وقد يصدر حكم بإعادة محاكمتهم من جديد.
يوم الخميس الماضى الموافق 18 /8 /2011 كان ميعاد الطعن أمام النقض، ظل الأب فى حالة ترقب تذكر تفاصيل الأيام السوداء.. الابن الأكبر كان واحداً من المئات ممن ابتلعهم البحر فى حادث غرق العبارة قبل سنتين و١٠ أشهر تقريباً، والابن الأصغر راح ضحية أموال التعويضات التى حصلت عليها الأسرة فى الحادث، حيث قام ٤ متهمين بخطفه لإجبار الأب على دفع فدية ٢٠٠ ألف جنيه لعلمهم بحصوله على مبلغ تعويض ٥٠٠ ألف جنيه.
إلا أن الأب كان قد أنفق المبلغ على بناء مسجد ودار أيتام ورصف طريقاً.. فقتل المتهمون الابن. اعترف الجناة الأربعة فى التحقيقات بأنهم منذ علمهم بتقاضى الأب مبلغ ٥٠٠ ألف جنيه كمبلغ تعويض عن غرق ابنه «عبادة» فى العبارة «السلام ٩٨».. وهم يخططون لسرقة تلك الأموال، خاصة بعد أن شاهدوه ينفق الأموال فى رصف الطريق، وإقامة مسجد، فشلوا فى الدخول إلى المنزل لسرقة الأموال، وجاءتهم فكرة خطف الابن الأصغر، خططوا لها لمدة ٦ أشهر تقريباً، كلما شاهد أحد الجناة الطفل الصغير «أحمد» فى الشارع يعطيه جنيهاً أو نصف جنيه ليشترى الحلوى حتى اطمأن الطفل لهم.
وفى يوم العيد شاهد أحد الجناة الطفل «الضحية» يمشى فى الشارع وحده.. لم يكن أحد من الأهالى يشاهده - فأعطى المتهم مبلغ ١٠ جنيهات للطفل، وطلب منه أن يوصله لمنزل المتهم الثانى.. أسرع الابن إلى منزل المتهم الثانى، وبمجرد أن شاهد الطفل اصطحبه إلى داخل المنزل، وأغلق عليه إحدى الغرف حتى وصل المتهمون الآخرون واجتمعوا فى المنزل.. ليخططوا كيف سينفذون جريمة طلب الفدية.
صوت الطفل قاطعهم.. وصرخاته كادت تكشفهم فأسرعوا إليه واعتدوا على الطفل بالضرب، ولف أحدهم بطانية حول رأس الطفل حتى لفظ الضحية أنفاسه الأخيرة، فكروا فى كيفية التخلص من الجثة، فوضعوها فى جوال وحملوها على عربة كارو، واتجهوا إلى ناحية بحر البقر، لإلقاء الجثة فى المياه، قبل أن يصلوا إلى الشاطئ فوجئوا بالأب يقابلهم فى الطريق.. أحدهم ارتبك والآخرون تصرفوا ببرود أعصاب يحسدون عليه.
ألقوا السلام على الأب، واستمروا فى طريقهم ربطوا حجارة وحبلاً فى الجوال.. وألقوا الجثة فى المياه.. اختفى الجوال وظهر فقط الحبل فربطوا طرفه فى الجسر لسهولة الوصول إليه.
عاد المتهمون إلى المنزل ليبدأوا فى وصلة تهديد الأب بقتل الابن لإجباره على دفع مبلغ الفدية، اشتروا هاتفاً محمولاً جديداً وتبادلوا فيه التحدث إلى الأسرة مع تغيير أصواتهم فى كل مرة حتى لا ينكشف أمرهم. ألقت المباحث القبض على المتهمين الأربعة شوقى يوسف محمد، «٢٠ سنة»، وعزازى صالح عزازى «١٨ سنة»، وعبدالله محمد نظيم، «٢٣ سنة»، وأحمد مظهر أحمد «١٨ سنة»، وأحيلوا إلى النيابة، التى قررت حبسهم على ذمة التحقيقات بعد اعترافهم بارتكاب الحادث، وتقررت إحالتهم إلى «الجنايات»، التى قضت بإعدامهم شنقاً.
فليحيا العدل ***** يحيا العدل ******** يحيا العدل ****